![]() |
| نصيحة لمن يشتهي الطعام المالح |
يُعَدّ اشتهاء الطعام المالح، خاصة في ساعات الليل، ظاهرة شائعة لدى كثير من الناس، وغالبًا ما يتم تفسيرها على أنها مجرد رغبة نفسية أو عادة غذائية سيئة. إلا أن الأبحاث الطبية والتجارب السريرية تشير إلى أن الرغبة الشديدة في الأطعمة المالحة قد تكون رسالة فسيولوجية من الجسم تعكس احتياجات حقيقية لعناصر معدنية أساسية، وعلى رأسها الصوديوم والبوتاسيوم.
في هذه المقالة، نسلّط الضوء على الأسباب العلمية وراء اشتهاء الملح، ونوضح الفرق بين الصوديوم كعنصر حيوي، والملح كمصدر غذائي، مع شرح دور البوتاسيوم والتوازن المعدني في صحة الجسم.
أولًا: هل اشتهاء الملح أمر طبيعي؟
نعم، اشتهاء الطعام المالح قد يكون طبيعيًا في بعض الحالات، لكنه ليس عشوائيًا. فالجسم يمتلك آليات دقيقة لتنظيم المعادن والسوائل، وعندما يحدث خلل في هذا التوازن، تبدأ إشارات داخلية بالظهور على شكل رغبة شديدة في نوع معين من الطعام.
من أبرز الحالات التي يزداد فيها اشتهاء الملح:
التعرّق الزائد
الإسهال أو فقدان السوائل
الأنظمة الغذائية منخفضة الكربوهيدرات
الصيام الطويل
الإجهاد الجسدي أو النفسي
بعض الاضطرابات الهرمونية
الصوديوم: معدن أساسي وليس عدوًا كما يُشاع
غالبًا ما يتم الخلط بين الصوديوم والملح، رغم أن الفرق بينهما مهم طبيًا.
الصوديوم: معدن أساسي يدخل في عمل الأعصاب، العضلات، القلب، وتنظيم ضغط الدم.
الملح (كلوريد الصوديوم): المصدر الغذائي الأكثر شيوعًا للصوديوم، ويحتوي أيضًا على الكلوريد.
توصي الهيئات الصحية العالمية بألا يتجاوز استهلاك الصوديوم اليومي حوالي 2000–2300 ملغ، لكن الواقع يشير إلى أن معظم الناس يتجاوزون هذه الكمية، ليس بسبب إضافة الملح للطعام فقط، بل بسبب الأطعمة المصنعة والغنية بالكربوهيدرات المكررة.
لماذا قد يحتاج جسمك إلى المزيد من الصوديوم؟
في بعض الحالات، لا يكون تقليل الصوديوم مفيدًا، بل قد يكون ضارًا، خاصة عند:
1. اتباع نظام غذائي منخفض الكربوهيدرات أو كيتوني
عند تقليل الكربوهيدرات، ينخفض الإنسولين، مما يؤدي إلى زيادة طرح الصوديوم والماء عن طريق الكلى. لذلك، يشعر كثير من متّبعي هذه الأنظمة بـ:
صداع
دوخة
تعب
اشتهاء الطعام المالح
في هذه الحالة، زيادة الصوديوم بشكل مدروس قد تحسّن الطاقة وتخفف الأعراض.
2. استخدام مدرّات البول
مدرّات البول تؤدي إلى فقدان الصوديوم والماء، ما قد يسبب:
انخفاض ضغط الدم
ضعف العضلات
اضطراب ضربات القلب
3. التقدّم في العمر
مع التقدم في السن، تقل قدرة الجسم على تنظيم الصوديوم بسبب انخفاض بعض الهرمونات، مثل الألدوستيرون.
هرمون الألدوستيرون ودوره في اشتهاء الملح
الألدوستيرون هو هرمون أساسي يُفرَز من الغدة الكظرية، ووظيفته:
تنظيم الصوديوم
الحفاظ على توازن السوائل
دعم ضغط الدم الطبيعي
عند اتباع حميات قاسية أو منخفضة السعرات، قد يرتفع إفراز هذا الهرمون لتعويض نقص الصوديوم، ما يؤدي إلى رغبة شديدة في الأطعمة المالحة.
البوتاسيوم: المعدن المكمل للصوديوم
لا يمكن الحديث عن الصوديوم دون ذكر البوتاسيوم، إذ يعمل المعدنان معًا للحفاظ على:
توازن السوائل
وظيفة الأعصاب
انقباض العضلات
انتظام ضربات القلب
تشير الدراسات إلى أن الجسم يحتاج في المتوسط إلى 4700 ملغ من البوتاسيوم يوميًا، وهي كمية لا يحققها معظم الناس.
مصادر طبيعية غنية بالبوتاسيوم:
الخضروات الورقية (السبانخ، الخس)
الأفوكادو
البروكلي
الكوسا
الفطر
العلاقة بين اشتهاء الملح واضطرابات هرمونية
في بعض الحالات الطبية، يكون اشتهاء الملح علامة مهمة، مثل:
قصور الغدة الكظرية
قصور الغدة الدرقية
بعض حالات الإجهاد المزمن
في هذه الحالات، قد يحتاج الجسم إلى كميات أعلى من الصوديوم لدعم الوظائف الحيوية، ويجب تقييم الأمر طبيًا.
هل تقليل الملح دائمًا مفيد للقلب؟
على عكس الاعتقاد الشائع، النقص الشديد في الصوديوم قد يؤثر سلبًا على:
عضلة القلب
التوصيل العصبي
ضغط الدم
خصوصًا لدى الأشخاص الذين:
يتبعون حمية منخفضة الكربوهيدرات
يشربون كميات كبيرة جدًا من الماء
يتناولون مدرّات البول
كيف توازن بين الصوديوم والبوتاسيوم بشكل صحي؟
لتحقيق توازن معدني مثالي:
لا تحرم نفسك تمامًا من الملح الطبيعي.
ركّز على الخضروات الغنية بالبوتاسيوم.
تجنب الأطعمة المصنعة.
راقب إشارات جسمك، خاصة اشتهاء الطعام المالح ليلًا.
استشر مختصًا إذا كنت تعاني من أمراض مزمنة.
خلاصة
اشتهاء الطعام المالح ليس دائمًا عادة سيئة، بل قد يكون نداءً فسيولوجيًا يعكس حاجة الجسم إلى الصوديوم أو خللًا في توازن المعادن. الفهم الصحيح لدور الصوديوم والبوتاسيوم، والتمييز بين الملح الطبيعي والأطعمة المصنعة، يساعد على اتخاذ قرارات غذائية أكثر وعيًا وصحة.
التوازن هو المفتاح: لا إفراط ولا تفريط، بل استجابة ذكية لما يخبرك به جسمك.

تعليقات
إرسال تعليق